المسحراتي شخص لا يعرف النوم
المسحراتي ذلك الصوت الذي تعود أن يوقظ الناس من نومهم
لتناول طعام السحور، وهو يردد أعذب وأجمل الدعوات والأغنيات
إنه من أصحاب المهن الرمضانية جدا، التي لا وجود لها في غيره من الشهور،
وهو مازال يجوب الشوارع في منافسة غير متكافئة مع أجهزة الإعلام التي كادت تلغي دوره تماما،
ولكنه تحايل عليها وانتقل بصوته الي الإذاعة والتليفزيون لتستمر هذه المهنة الرمضانية وإن اختلف شكلها
مهنة المسحراتي ارتبطت بهذا الشهر الكريم منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم
وكان بلال بن رباح رضي الله عنه أول مسحراتي في التاريخ الإسلامي
حيث كان يجوب الشوارع والطرقات لإيقاظ الناس للسحور بصوته العذب طوال الليل
ومنذ ذلك التاريخ أصبح المسحراتي مهنة رمضانية خالصة وقد اشتهر من أرباب هذه المهنة } الزمزني { في مكة
الذي كان يصعد إلى المئذنة من فوقها معلنا بدء السحور،
وفي كل مرة يكرر فيها النداء كان يدلي بقنديلين كبيرين معلقين في طرفي حبل يمسكه في يده حتى يشاهدهما من لا يسمع النداء.
أما في مصر فكان أول من قام بمهمة إيقاظ الناس للسحور هو الوالي عنتبة بن اسحق
وكان يسير علي قدميه من مدينة العسكر في فسطاط مصر القديمة،
وحتي مسجد عمرو بن العاص تطوعا وهو ينادي « عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة »
ومنذ تلك الفترة أصبحت مهنة المسحراتي في مصر تلقى احتراما وتقديرا بعد أن قام بها الوالي بنفسه
وتطورت الأشكال التي يؤدي بها المسحراتي عمله
وقد شاركت النساء في عملية التسحير، ففي العصر الطولوني كانت المرأة تقوم بإنشاد الأناشيد من وراء النافذة
شريطة أن تكون من صاحبات الصوت الجميل وتكون معروفة لدي لجميع سكان الحي الذي تقطن فيه
كما أن كل امرأة مستيقظة كانت تنادي علي جاراتها
أما في الريف والقرى فكان « العمدة » هو الذي يتولى بنفسه مهمة إيقاظ أهلال قرية للسحور
أو يتولى تقسيم شوارع القرية على عدد من المسحراتية ويبدأ كل منهم العمل ابتداء من ليلة رؤية هلال رمضان وحتى ليلة عيد الفطر
وهي الليلة التي يبدأ فيها المسحراتي التردد على جميع المنازل
ليس بهدف التسحير ولكن للحصول على أجره الذي غالبا ما يكون بعض المال أو كعك ولحوم العيد
ومع معرفة الكهرباء واستخدامها تقلص دور المسحراتي حيث بدأ الناس يسهرون ليالي رمضان في المقاهي أو أمام التليفزيون
لدرجة أن المسحراتي راح يدون في مفكرة صغيرة أسماء الأشخاص الذين يقبلون أن يتولى مهمة تسحيرهم
ثم يبدأ في النداء عليهم دون غيرهم
ولكن المسحراتي ما كان ليقبل الهزيمة أمام وسائل الإعلام
فاستمر في عمله وجذبت فكرة المسحراتي عددا كبيرا من الفنانين والشعراء
الذين نجحوا بالفعل في أن ينقلوا المسحراتي من الشارع الي شاشة التليفزيون وميكروفون الإذاعة ليستخدموا أحدث تقنيات الاتصال في تسحير الناس،
ولكن مهنة المسحراتي نفسها أصبحت أشبه بالتراث أو الفلكلور الشعبي
وإن كانت هناك بعض الأصوات المسحراتية مازالت تجوب شوارع الريف والأحياء الشعبية
في إصرار كبير على المقاومة خاصة وأنها تجد من يتقبلها ويعتبرها من أهم المهن والمفردات الرمضانية المميزة للشهر الكريم